كشف موقع “أكسيوس” الأمريكي، عن ضغوط متزامنة تمارسها كل من قطر ومصر وتركيا على قيادة حركة حماس من أجل قبول المقترح الذي قدّمه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب الجارية في قطاع غزة، المعروف بـ”خطة ترامب”.
ووفقًا لأوساط مطّلعة على الاتصالات، فقد عقد مسؤولون من الدول الثلاث اجتماعين مع وفد من قيادة حماس في العاصمة القطرية الدوحة خلال اليومين الماضيين، ونقلوا له رسالة واضحة مفادها أن تبنّي المبادرة الأميركية من شأنه أن يشكل خطوة محورية نحو إنهاء القتال.
وبحسب المصدر، فإن وفد حماس رد بأنه سيتعامل مع الاقتراح “بمسؤولية عالية”، وأنه سيقوم بالتشاور مع الفصائل الفلسطينية المختلفة، لتقديم رد رسمي في أقرب وقت ممكن.
وتعتقد جهات سياسية في إسرائيل أن حماس قد تميل إلى قبول المبادرة مبدئيًا، لكنها ستطرح تحفظات على بعض البنود، في محاولة للتأثير على صيغة الاتفاق النهائي.
في سياق متصل، قال رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إن الهدف المركزي من خطة ترامب هو إنهاء الحرب، مشيرًا إلى أن ما عُرض حتى الآن يشكل مبادئ عامة، تتطلب نقاشًا معمقًا حول آليات التنفيذ.
وأوضح أن المرحلة الحالية بالغة الأهمية وتشمل التفاوض، وأنه من غير الواقعي توقّع صيغة مثالية، لكنه دعا إلى البناء على ما تحقق حتى الآن من تقدم، بما يخدم الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار وتخفيف المعاناة الإنسانية في القطاع.
تفاهمات أولية منقوصة
الجدير بالذكر أنه بعد دقائق من إعلان الخطة الأمريكية لإنهاء الحرب في غزة، كان وزراء خارجية مصر والأردن والإمارات والسعودية وقطر وتركيا وباكستان وإندونيسيا يصدرون بيانًا مشتركًا يفيض بالترحيب بدور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويشيدون بجهوده “الصادقة” في السعي إلى وقف الحرب. هؤلاء الوزراء أكدوا استعداد دولهم للتعاون البناء مع الولايات المتحدة، معتبرين أن المقترح الأمريكي يمثل فرصة لتكريس السلام ومنع تهجير الفلسطينيين وإعادة إعمار غزة، بل ذهبوا إلى حد الإشادة بتعهد ترامب بعدم السماح بضم الضفة الغربية. بدا الموقف في تلك اللحظة وكأن العرب والإسلاميين قد منحوا ترامب تفويضًا مطلقًا لرسم ملامح التسوية، متناسين التجارب السابقة التي أثبتت أن واشنطن لا تتحرك إلا في حدود ما يسمح به الاحتلال الإسرائيلي.
هذا الانخراط الحماسي منح الخطة الأمريكية غطاءً عربيًا وإسلاميًا مبكرًا، وأعطى انطباعًا بأن قادة المنطقة مستعدون للقبول بأي مسار يطرحه ترامب، طالما جاء تحت لافتة إنهاء الحرب وإغاثة غزة. غير أن هذه التفاهمات لم تكن سوى بناء هشّ سرعان ما أطاح به بنيامين نتنياهو، الذي لم يكتف بتغيير التفاصيل الهامشية بل نسف جوهر الخطة التي تفاهم عليها ترامب مع الحكام العرب.
تعديلات نتنياهو الحاسمة
وفقًا لما كشفه موقع “أكسيوس” الأمريكي، أدخل نتنياهو تعديلات واسعة على خطة ترامب، بعد ست ساعات من الاجتماعات في القدس مع مبعوث البيت الأبيض ستيف ويتكوف وصهر الرئيس جاريد كوشنر. التغييرات طالت أهم القضايا الجوهرية، وعلى رأسها ربط انسحاب إسرائيل من غزة بمدى التقدم في عملية نزع سلاح حماس، وهو شرط يجعل الانسحاب مجرد ورقة تفاوضية مفتوحة لا أفق لها. كما منح نتنياهو حكومته “حق النقض” على مسار العملية، بما يعني أن الاحتلال بات صاحب الكلمة النهائية في تقرير مصير القطاع، حتى لو وافقت حماس وسائر الأطراف.
الأخطر من ذلك أن الخطة المعدلة أبقت على وجود عسكري إسرائيلي في ما سُمّيت “المنطقة الأمنية” داخل غزة، وهو ما يعني بقاء قوات الاحتلال إلى أجل غير مسمى، مهما تم تنفيذ مراحل الاتفاق. بهذا المعنى، نسف نتنياهو وعد الانسحاب الكامل الذي روج له ترامب أمام وزراء الخارجية العرب، وأثبت أن أي خطة أمريكية لا يمكن أن تتجاوز السقف الإسرائيلي، حتى لو كانت تحمل توقيع رئيس في البيت الأبيض.
الإهانة العلنية للحكام العرب
ما جرى شكّل إهانة كبرى لحكام العرب والمسلمين الذين رحبوا علنًا بجهود ترامب، قبل أن يكتشفوا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ألغى عمليًا ما وافقوا عليه. لقد بدا المشهد وكأنهم مجرد شهود زور على مسرحية سياسية، حيث تفاهموا مع ترامب على خطة تضمنت إعادة إعمار غزة ووقف التهجير وانسحابًا إسرائيليًا كاملًا، ثم فوجئوا بأن نتنياهو أعاد صياغتها بما يخدم أجندته الداخلية وتوازناته مع اليمين المتطرف.
ترامب نفسه لم يتردد في إعلان الخطة المعدلة إلى جانب نتنياهو، متجاهلًا اعتراضات قطر التي طالبت بتأجيل نشرها بسبب التغييرات. هذا الإصرار على فرض النص المعدل كشف أن الإدارة الأمريكية ترى في الحكام العرب مجرد أدوات لإضفاء شرعية شكلية، وليست أطرافًا حقيقية في صناعة القرار. لقد اختصر نتنياهو وترامب دورهم في التصفيق والدعم، بينما تم نسف مضمون ما اعتبروه “شراكة بنّاءة”.