كشف موقع “أكسيوس” الأمريكي أن “خطة ترامب”، التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب على غزة تعرضت لتغييرات جوهرية على يد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو. هذه التعديلات نسفت جوهر ما اتفق عليه ترامب مع قادة الدول العربية والإسلامية الذين اجتمعوا به وأكدوا ثقتهم بجهوده “الصادقة”، قبل أن يكتشفوا لاحقاً أن ما وافقوا عليه لم يعد قائماً. وتركزت التغييرات خصوصاً على شروط وجدول انسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة، إذ جرى ربط الانسحاب بملف نزع سلاح حماس، وهو ما يمنح تل أبيب أداة لعرقلة أي تقدم.

وجاءت التعديلات بعد اجتماع استمر ست ساعات كاملة بين مبعوث البيت الأبيض ستيف ويتكوف وصهر ترامب جاريد كوشنر من جهة، ونتنياهو ومستشاره رون ديرمر من جهة أخرى. وبحسب مصادر مطلعة، أصر نتنياهو على صياغة جديدة تجعل قرار الانسحاب مرهوناً بموافقته، مانحاً حكومته ما يشبه “حق النقض” على كل مرحلة. النتيجة أن الخطة التي صدرت عن البيت الأبيض بدت أقرب إلى إملاءات إسرائيلية منها إلى مبادرة أمريكية ذات مصداقية.

ورغم أن المسودة الأصلية تضمنت انسحاباً تدريجياً على ثلاث مراحل كاملة، إلا أن النسخة المعدلة أبقت على وجود عسكري مفتوح داخل غزة تحت مسمى “منطقة أمنية”. هذا البند تحديداً أثار استياءً واسعاً بين المراقبين العرب، الذين وصفوه بأنه “احتلال مقنّع” بلا سقف زمني، يقوّض أي أفق لسلام حقيقي.

حكامنا يدعمون خطة ترامب

في الوقت ذاته، كان وزراء خارجية مصر والأردن والإمارات والسعودية وقطر وتركيا وباكستان وإندونيسيا قد أصدروا بياناً مشتركاً رحّبوا فيه بما وصفوه “القيادة الصادقة لترامب”، وأكدوا ثقتهم بقدرة خطة ترامب على إنهاء الحرب. كما أثنوا على وعوده بوقف التهجير، إعادة الإعمار، ومنع ضم الضفة الغربية. لكن ما حدث لاحقاً وضع هؤلاء القادة في موقف بالغ الإحراج، إذ ظهر أن الخطة التي أعلنوا دعمها لم تعد قائمة، وأن نتنياهو أعاد صياغتها بما يتعارض مع ما وافقوا عليه.

البيان الوزاري تحدث عن شراكة بنّاءة مع واشنطن لتكريس مسار “السلام العادل”، لكن النتيجة جاءت بعكس ذلك تماماً. إذ بدا أن القادة العرب والإسلاميين وقعوا في فخ سياسي، حيث استُخدمت موافقتهم كغطاء لنشر خطة مُفرغة من مضمونها لصالح الاحتلال. بعض المعلقين وصفوا ما جرى بأنه “إهانة سياسية” علنية، كشفت حدود التأثير العربي أمام عناد نتنياهو وانحياز إدارة ترامب.

هذا المشهد ألقى بظلال قاتمة على الثقة المتبادلة بين واشنطن وحلفائها الإقليميين، خصوصاً أن البيت الأبيض تجاهل حتى التحفظات القطرية، التي طلبت تأجيل نشر الخطة ريثما يُبت في التعديلات. لكن إصرار الإدارة الأمريكية على إعلانها في مؤتمر صحفي مشترك مع نتنياهو أكد أن الأمر لم يكن سوى تمرير لإرادة الاحتلال بغطاء أمريكي.

خيارات ضيقة أمام العرب

يرى مراقبون أن العرب باتوا أمام خيارات أكثر تعقيداً بعد هذا الموقف. فمن جهة، لا يستطيعون التراجع عن دعمهم المبدئي لـ”خطة ترامب” من دون أن يظهروا بمظهر المنقسم أو العاجز، ومن جهة أخرى فإن الخطة المعدلة تحمل في طياتها تهديداً صريحاً باستمرار الاحتلال العسكري في غزة. هذا التناقض يجعل أي التزام عربي أو إسلامي محل تساؤل، ويطرح علامات استفهام حول جدية الدور الأمريكي كوسيط.

تاريخياً، لطالما وُصفت واشنطن بأنها منحازة لتل أبيب، لكن ما جرى هذه المرة كشف أن الانحياز لم يعد مجرد اتهام سياسي بل واقعاً معلناً. فترامب، الذي تباهى أمام الصحافة بأن “السلام بات قريباً جداً”، لم يتردد في شكر نتنياهو علناً على موافقته على خطة أعاد صياغتها بنفسه. وهو ما يعني عملياً أن القرار لم يكن أمريكياً بقدر ما كان إسرائيلياً صُرفاً.

وبينما تواصل العواصم العربية محاولة استيعاب الصدمة، يتزايد الحديث عن ضرورة إعادة تقييم الرهان على واشنطن كوسيط نزيه. بعض التحليلات تذهب أبعد من ذلك لتؤكد أن ما جرى يمثل لحظة فارقة تُجبر الحكومات العربية على التفكير في بدائل سياسية جديدة، بعيداً عن وهم “السلام الأمريكي”.


مصنف في :