المحرر السياسي – قلمي بندقيتي
قبل منتصف ليلة الخميس – الجمعة، أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين أن نظيره الأمريكي كريس رايت ألغى زيارته المقررة إلى تل أبيب، بعد أن رفضت إسرائيل منح تصاريح تصدير الغاز إلى مصر قبل ضمان مصالحها الاقتصادية الداخلية. القرار المفاجئ جاء في وقتٍ تمارس فيه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضغوطًا كبيرة على الحكومة الإسرائيلية للمضي في تنفيذ صفقة الغاز العملاقة مع القاهرة، والتي تُقدّر قيمتها بنحو 35 مليار دولار.
الصفقة، التي تشمل تصدير كميات ضخمة من الغاز من حقل لفياثان البحري إلى مصر عبر خط أنابيب جديد يُقام في منطقة نِتسانا، تواجه اليوم خطر الانهيار بعد أن جمّد كوهين التصريح النهائي للتصدير. وقال الوزير في بيان رسمي: “لن نسمح بتصدير الغاز قبل ضمان أسعار عادلة للسوق الإسرائيلي”، مضيفًا أن المفاوضات لم تُستكمل بعد وأن حكومته ستستخدم التصريح كأداة ضغط لحماية المستهلك الإسرائيلي.
انهيار صفقة تامار يعمّق الأزمة
تأتي هذه التطورات بينما يشهد قطاع الطاقة الإسرائيلي ارتباكًا متزايدًا عقب انهيار اتفاق الغاز بين حقل تامار وشركة الكهرباء الإسرائيلية، وهو الاتفاق الأكبر في تاريخ القطاع. فقد انسحبت معظم الشركات الشريكة – باستثناء “شيفرون” و”دور إنرجي” – بسبب خلافات على الأسعار، ما دفع الأطراف إلى اللجوء للتحكيم الدولي في لندن.
ووفق تقديرات الخبراء، فإن البورصة قد تُحدد سعر الغاز الجديد أعلى بنسبة 10% عن السعر الحالي، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على تعرفة الكهرباء للمواطنين الإسرائيليين. هذا الانقسام الداخلي يزيد من حساسية صفقة التصدير إلى مصر ويجعلها رهينة الحسابات السياسية والاقتصادية.
واشنطن تضغط وتل أبيب تتردد
مصادر سياسية إسرائيلية أكدت أن الإدارة الأمريكية تمارس ضغوطًا غير مسبوقة على الحكومة للموافقة على الصفقة، معتبرة أن التعاون مع القاهرة يُعزّز ما تسميه واشنطن “الاستقرار الإقليمي”.
لكن كوهين ردّ بالقول إنّ بلاده “لن تسمح بأن يتحول الغاز الإسرائيلي إلى وسيلة ضغطٍ سياسية”، مؤكدًا أن “الولايات المتحدة تضغط، لكننا نضع مصلحة المواطن أولاً”.
وأشار البيان الصادر عن وزارة الطاقة إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يتابع شخصيًا تفاصيل الصفقة نظرًا لأهميتها الإستراتيجية، غير أن الخلاف حول الأسعار الداخلية وتعقيدات صفقة تامار أعاقا أي تقدم حقيقي حتى الآن.
أنبوب نتسانا المعلّق بين القاهرة وتل أبيب
في إطار الاتفاق المجمد، كان من المفترض أن يُصدّر حقل لفياثان 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى مصر، أي ما يقارب خمس احتياطيات الحقل الإجمالية، عبر أنبوب تصدير جديد بالكامل يربط بين البلدين. لكن المشروع برمّته توقف بانتظار القرار السياسي، إذ تسعى وزارة الطاقة الإسرائيلية إلى استخدام ترخيص التصدير كورقة تفاوضية تضمن أسعارًا “مغرية للسوق المحلي”، بحسب تعبير كوهين.
أما شركة “نيو مِد إنرجي” – الشريك الأكبر في حقل لفياثان – فقد أعلنت استعدادها لدخول المنافسة أمام حقل تامار في تزويد شركة الكهرباء الإسرائيلية بالغاز مستقبلاً، لكنها لم تقدم بعد عرضًا رسميًا. ويتوقع مراقبون أن تمتد هذه المعركة التجارية حتى عام 2030، حين تُطرح المناقصات الجديدة.
أزمة ثقة في تحالف الغاز الإقليمي
مصادر اقتصادية إسرائيلية رأت أن تعثر الصفقة مع مصر يوجّه ضربة قاسية لجهود تل أبيب في تثبيت مكانتها كمركز إقليمي لتجارة الطاقة شرق المتوسط. فالاتفاق مع القاهرة كان يُنظر إليه كـ”تتويج” لتحالف الغاز بين إسرائيل ومصر واليونان وقبرص، المدعوم أمريكيًا.
لكنّ تردد الحكومة الإسرائيلية ورفضها الرضوخ للضغوط الأمريكية قد يُعيد رسم خريطة المصالح في المنطقة، ويترك الباب مفتوحًا أمام منافسين جدد، أبرزهم تركيا وقطر، اللتان تتابعان المشهد عن كثب.
وبينما تحاول واشنطن احتواء الأزمة خلف الكواليس، يبدو أن أنبوب الغاز الذي كان من المفترض أن يربط تل أبيب بالقاهرة تحوّل إلى خط توتر دبلوماسي يهدد بإشعال خلاف أوسع بين الحليفين القديمين.



