آخر الأخبار
النشرة المسائية لوسائل الإعلام العبري لنهار  الأحد الموافق  26 اكتوبر 2025          
الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم: انا استشهادي!وسنقاتل الإسرائيلي بحال فرضت المعركة
جيش العدو يعلن عن إصابة عدد من جنوده حادث..أم اشتباك أمني؟
شهداء ال 48 ساعة
اطلالة مساء اليوم للشيخ نعيم قاسم أمين عام حزب الله..”عام من القيادة
الاستهداف الصهيوني الرابع خلال 48 ساعة!الآن الناقورة
الديمقراطية» تدين الإختراق الإسرائيلي لاتفاق وقف الحرب
عدوان صهيوني جديد مسيرة تستهدف دراجة ناريةبلدة القليلة
رئيس حركة حماس خليل الحية:لا ذريعة للعدو ليستأنف حربه
النشرة المسائية لوسائل الإعلام العبري لنهار السبت الموافق 25  اكتوبر 2025          

عبد الحليم قنديل

يطلق أكاذيبه ويبتلعها فى نفس واحد ، إنه الرئيس الأمريكى “دونالد ترامب” الذى لا يغلق فمه أبدا ، وربما يرغب فى جلب الميكروفونات والصحفيين معه إلى غرفة النوم ، ففى سبتمبر 2025 ، وعلى هامش الانعقاد السنوى رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم التحدة ، التقى “ترامب” مع الرئيس الأوكرانى “فلوديمير زيلينسكى” ، وخرج بعدها إلى لقاء مع الصحفيين ، قال فيه نصا أن “أوكرانيا قد تتمكن من استعادة جميع أراضيها التى خسرتها لصالح روسيا” ، بعدها بأسابيع قليلة ، كان “ترامب” يلتقى فى “البيت الأبيض” مع رئيس وزراء أستراليا ، وخرج بعد اللقاء ليخاطب نفس الصحفيين ، وقال ببساطة “لم أقل قط أنهم ـ أى الأوكران ـ سينتصرون ، قلت أنهم قادرون على الفوز” (!) ، ومن دون أن يعرف أحد الفارق بين كلمتى الانتصار والفوز فى رأس الرجل البرتقالى ، لكنه عاد بسرعة ليريح رأسه ورءوس متابعيه ، وقال بعفوية متناقضة ، أنه لا يزال “يعتقد أن أوكرانيا قادرة على الفوز ، لكنه لا يعتقد ذلك” ، ولا تتعب نفسك فتسأل عن حقيقة اعتقاد الرجل الذى يقود أقوى دولة فى العالم ، وتقدم له كل صباح تقارير أجهزة المخابرات الأمريكية ، رغمها لا يكف عن الاعتقاد فى الشئ وعكسه بالضبط وفى ذات الجملة (!) ، وكان “ترامب” قد عاد إلى لقاء “زيلينسكى” مؤخرا ، وسبقت اللقاء مكالمة هاتفية من الرئيس الروسى “فلاديمير بوتين” مع “ترامب” ، حذر فيها “بوتين” من مخاطرة إرسال صواريخ كروز “توماهوك” إلى أوكرانيا ، ومن تأثيرها الفادح على علاقات موسكو وواشنطن ، وهو ما استجاب له الرئيس الأمريكى على الفور وسحب عرض الصواريخ ، وألقت مكالمة “بوتين” بظلالها على اجتماع “ترامب” مع “زيلينسكى” ، الذى تحول ـ بتعبير “فايننشيال تايمز” البريطانية ـ إلى “مباراة صراخ” ، تذكر بصخب “ترامب” وإهاناته للرئيس الأوكرانى أواخر فبراير 2025 ، فقد عاد الرئيس الأمريكى إلى شتائمه القاسية لضيفه ، وأصر على أن يسلم “زيلينسكى” منطقة “دونباس” الأوكرانية بأكملها ـ أى مقاطعتى “لوجانسك” و”دونيتسك” ـ إلى روسيا ، وكرر على مسامع “زيلينسكى” نفس النقاط التى طرحها “بوتين” فى مكالمتهما الهاتفية عشية اللقاء ، وأشار إلى تهديد “بوتين” بتدمير أوكرانيا إذا لم توافق على التنازلات المطلوبة .
وبدت القصة أكبر من ميل “ترامب” الفطرى إلى الكذب بانتظام وتلقائية ، واعتياده على تكرار المتناقضات بلا خجل ولا تذكر ، حتى أنه أخبر الرئيس الأوكرانى ، أن “بوتين” ذكر له أن الصراع الجارى عملية “عسكرية” خاصة ، وليست حربا (فى نظر الروس) ، وأن على “زيلينسكى” إبرام صفقة بشروط روسيا ، وإلا “سيواجه الدمار” ، ولا تسأل هنا ـ طبعا ـ عن اعتقاد “ترامب” السابق الهزلى بإمكانية فوز أوكرانيا ، فقد نفاه هو بنفسه ، تماما كما عاد إلى الخلط والاضطراب بعد خروج الرئيس الأوكرانى من لقاء “ترامب” حزينا ، وعودته إلى سلوك الشكوى للحلفاء الأوروبيين ، الذين خاطبوا “ترامب” ، ودعوه إلى تبنى فكرتهم عن الدعوة إلى وقف إطلاق النار وتجميد القتال عند الخطوط الحالية ، وهو ما دعا إليه “ترامب” فعلا ، وكرر ما قيل له ، وكأنه جهاز تسجيل خرب يردد آخر ما يقال له ، ويمسح ما جرى تسجيله سابقا ، فالرجل ـ أى ترامب ـ يردد دوما آخر ما يقال له ، وينسى ما قاله بلسانه فى السابق ، وبالذات عقب “قمة ألاسكا” التى جمعته مع الرئيس الروسى فى 12 أغسطس 2025 ، والتى خرج منها مقتنعا بأقوال “بوتين” ، ورفضه البدء بوقف إطلاق النار ، وضرورة البدء باتفاق تسوية شاملة ، وهو ما ظل “بوتين” ثابتا عليه دونما تغبير ولا تبديل ، واقترح عقد لقاء قمة جديد مع “ترامب” فى “بودابست” عاصمة المجر الصديقة لروسيا ، وبعد أن وافق “ترامب” بحماس ، وبدأ التنسيق لعقد القمة بمكالمات وزيرى الخارجية الأمريكى “ماركو روبيو” والروسى “سيرجى لافروف” ، عاد “ترامب” إلى عاداته المضطربة ، وجرى تأجيل “قمة المجر” حتى إشعار لاحق ، وربما نقلها إلى عاصمة أخرى .
ولا يبدو “بوتين” قلقا من تأجيل القمة التى كانت منتظرة ، بل ربما كان يرغب فى التأجيل لمنح حملته “العسكرية الخاصة” وقتا إضافيا ، تؤجل معه القمة ربما كما قيل إلى أواخر نوفمبر 2025 ، وقد نجح “بوتين” فى التلاعب بمشاعر وقرارات “ترامب” ، ودفعه للتراجع عن نية إرسال “صواريخ توماهوك” ، التى بالغ الروس عمدا فى خطورتها ، وهى صواريخ بعيدة المدى من طراز متقادم يعود إلى ثمانينيات القرن العشرين ، ولدى الروس إمكانيات كبيرة لتحييد خطرها من صواريخ “إس ـ 300” إلى منظومات “إس ـ 400″ و”إس ـ 500” الأحدث ، وكان هدف “بوتين” من تضخيم خطر “توماهوك” ظاهرا ، فهو يريد كبح تهديدات “ترامب” بزيادة الدعم العسكرى ، وبفرض عقوبات جديدة على شركاء روسيا التجاريين فى الصين والهند بالذات ، وقد نجحت مناورة “بوتين” إلى حين ، خصوصا أن “ترامب” يستعد للقاء قمة قريب مع الرئيس الصينى” شى جين بينج” ، ويرغب فى إقناع الصين بشراء كميات أكبر

من محصول “فول الصويا” الأمريكى ، وتهدئه حمى الحروب التجارية المشتعلة بين بكين وواشنطن ، وهنا بحث “ترامب” عن مخرج لتجميد وإلغاء صفقة صواريخ “توماهوك” ، وأعلن بنفسه أن المخزون الأمريكى من “توماهوك” محدود ، وأن واشنطن تحتاجه لجيشها لا للذهاب به إلى ميدان حرب أوكرانيا ، وهكذا نجحت مناورة بوتين بمجرد مكالمة هاتفية ذكية ، طمست مخاطر وأغوت بفرص .
وهنا تبدو براعة “بوتين” التكتيكية ، ونجاحه المذهل المتكرر فى احتواء “ترامب” ، الذى لا يفتأ يتبرم كثيرا من ألاعيب “بوتين” ، لكنه يعود للخضوع والتسليم بوجهة نظره ، فالرئيس الأمريكى شديد الإعجاب بالرئيس الروسى ، ولأسباب خفية وظاهرة ، بينها مقدرة “بوتين” المتفوقة على مخاطبة ميول “ترامب” رجل الصفقات ، ورغبته فى وقف حرب أوكرانيا بأى ثمن ، فيما لا يبدو “بوتين” فى عجلة من أمر الحرب المتصلة إلى أبواب عامها الرابع ، وتمضى بنفس هادئ من قبل القوات الروسية ، التى حدد لها “بوتين” أهدافها من بداية الحملة فى 24 فبراير 2022 ، وهى ضم المقاطعات الأوكرانية الأربع (لوجانسك ودونيتسك وزاباروجيا وخيرسون) ، إضافة لشبه جزيرة القرم التى ضمتها روسيا إليها عام 2014 ، ومن دون اضطرار موسكو إلى إعلان الطوارئ والتعبئة العامة والحرب الشاملة ، وإلى اليوم ، تبدو الصورة كما يلى ، سيطرت القوات الروسية الخاصة والرديفة على مقاطعة “لوجانسك” على نحو شبه كامل بنسبة 99% ، وسيطرت على مقاطعة “دونيتسك” بنسبة 76% ، وعلى مقاطعتى زاباروجيا وخيرسون بنسبة 73 % ، وعلى مساحات كبيرة من مقاطعات “سومى” و”خاركيف” و”دنيبرو بتروفسك” ، ربما للمساومة بها وعليها فيما بعد ، وربما تعول روسيا على أوحال الشتاء المقبل للتوسع فى المهمة ، فقد كان الروس ولا يزالون ملوكا لحروب الشتاء .
وفى المعنى الأوسع لحرب أوكرانيا الجارية ، بدا أن روسيا التى تحارب وحدها حلفا غربيا مكونا من 54 دولة ، بدا أن روسيا نجحت فى تحقيق الفوز العسكرى ، واستفادت من أجواء الحرب لتطوير اقتصاد مختلف ينمو بمعدلات مميزة ، وبناء تحالف الشرق الجديد فى مواجهة حلف الغرب المتقادم المصاب بالشروخ ، خصوصا مع نزعة “ترامب” المتعالية على الحلفاء الأوروبيين فى حلف “الناتو” ، وتركيزه على إرهاق أوروبا ماليا ، وجلب المليارات منها مقابل تقديم سلاح أمريكى غير قادر على تغيير معادلات الحرب ، ولا على التعجيل بدفع واشنطن إلى صدام مباشر مع روسيا ، قد يهدد بتفجير حرب نووية تدمر العالم كله ، وفيما تبدو أوروبا فى بؤرة الخطر العسكرى لروسيا ، التى تشكل أراضيها الأوروبية ـ غرب جبال الأورال ـ 40% من مساحة أوروبا كلها ، وتنتج سنويا أربعة أمثال الأسلحة التى ينتجها الغرب الأوروبى والأمريكى كله ، وهو ما يفسر رغبة “ترامب” فى الانسحاب من الصراع الحربى الجارى تجنبا لنزيف الخسائر فى السمعة الدولية ، والتسليم لروسيا بشروطها ، ومنع انضمام ما يتبقى من أوكرانيا إلى حلف “الناتو” ، وترك الخيار لأوروبا فى الاستنزاف ، ودفع مئات مليارات الدولارات ، ومن دون التجاوب الفعلى مع رغبات أوروبا فى تقديم ما تسميه “ضمانات أمنية” إلى أوكرانيا بعد وقف الحرب ، ونشر قوات غربية ترفض روسيا وجودهاعلى نحو قطعى ، ولا تريد إدارة “ترامب” التورط فى تكاليفها ومخاطرها .
وباختصار ، تبدو الحرب الأوكرانية ماضية إلى منحدر شهورها الأخيرة ، وربما تنتهى فى ربيع العام 2026 أو حتى قبله ، وإن كان “ترامب” راغبا فى استعجال النهاية ، وبدوافع تصوير نفسه كصانع للسلام العالمى ، بعد أن أدرك بيقين ، أن روسيا تنتصر ، ولم تتبق له سوى جولات الكلام المرتبك المتناقض ، وتقديم فروض الطاعة للرئيس الروسى .
Kandel2002@hotmail.com


مصنف في :