آخر الأخبار
الأمم المتحدة تكشف تكلفة إعادة إعمار غزة.. كم تبلغ؟
تحية قسامية لأبطال وحدة الظل
قوة “رادع” حماة الديار
الرئيس الفرنسي يرسل رسالة للرئيس عون..ما هو مضمونها
الاحتلال يسلم جثامين 45 شهيدًا إلى غزة
بعد 22 عامًا من الأسر.. منير مرعي يعود حرًا من سجون الاحتلال مثقلًا بالفقد
“اتفاق شرم الشيخ”.. ضجيج عربي فوق مذكرة أمريكية فارغة: لا دولة فلسطينية.. لا ضمانات.. ولا التزام ملزم
الاحتلال يخرق اتفاق شرم الشيخ: شهداء في غزة بعد قصف إسرائيلي
‏الرئيس السابق ميشال سليمان يلتقي رئيس الجمهورية
ابرز عناوين الصحف المحلية الصادرة اليوم الثلاثاء ١٤ تشرين الأول ٢٠٢٥

في خطوة أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية، منحت لجنة نوبل النرويجية، يوم الجمعة، جائزة نوبل للسلام لعام 2025 لزعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو، مبرّرة قرارها بـ”جهودها في الدفاع عن الحقوق الديمقراطية للشعب الفنزويلي، وسعيها لتحقيق انتقالٍ عادل وسلمي من الدكتاتورية إلى الديمقراطية”.

غير أن المتتبع لتاريخ ماتشادو ومواقفها السياسية، يجد نفسه أمام شخصيةٍ مثيرةٍ للريبة، لا تمتّ إلى مفهوم “السلام” بصلة، بل أقرب إلى أن تكون أداةً ناعمة في يد المشروع الأمريكي في أمريكا اللاتينية، وواجهةً جديدةً لتلميع وجه الهيمنة الغربية، في لحظة تتكثف فيها الضغوط الأمريكية على فنزويلا، وتُعاد فيها صياغة الخطاب الإمبريالي بوجه “حقوقي” زائف.

مناصِرة نتنياهو… “رسالة حب” إلى مجرم حرب

لم تكتفِ ماريا كورينا ماتشادو بمعارضة حكومتها أو انتقاد نظام الرئيس نيكولاس مادورو، بل تجاوزت ذلك إلى إعلان دعمها الصريح لمجرم الحرب بنيامين نتنياهو، في واحدة من أكثر المواقف فجاجة في تاريخ أي فائز بجائزة نوبل للسلام.

ففي تغريدةٍ شهيرةٍ عام 2019، وجّهت ماتشادو رسالة إلى نتنياهو بمناسبة الذكرى الحادية والسبعين لإعلان قيام إسرائيل، قالت فيها ما ترجمته: “رسالتي إلى الشعب اليهودي بمناسبة الذكرى الحادية والسبعين لاستقلال دولة إسرائيل، يا نتنياهو؛ نضال فنزويلا هو نضال إسرائيل!”

رسالةٌ كاشفةٌ تختزل العقل السياسي لمعارِضةٍ ترى في الاحتلال الصهيوني نموذجًا للنضال، وفي نتنياهو رمزًا للتحرّر!

وبحسب صحيفة يديعوت أحرونوت، فقد حرصت ماتشادو مرارًا على الإشادة بإسرائيل واعتبارها “حليفًا طبيعيًا للقوى الديمقراطية في فنزويلا”، كما وقّع حزبها “بينتي فنزويلا” (Vente Venezuela) اتفاقية تعاون سياسي وأيديولوجي مع حزب الليكود الإسرائيلي عام 2020، تتضمن تبادلًا في الخبرات الاستراتيجية والأمنية، وتأكيدًا على “القيم الغربية المشتركة” مثل اقتصاد السوق والليبرالية السياسية.

إن هذا الارتباط العضوي مع حزبٍ يمينيٍّ متطرف يقوده مجرم حرب مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية لا يمكن تفسيره إلا في سياق الولاء الكامل للمشروع الأمريكي–الإسرائيلي، الذي طالما استهدف قوى التحرر الوطني في أمريكا اللاتينية كما في فلسطين.

معارضة تطلب التدخل الأمريكي

لا تتبنّى ماريا كورينا ماتشادو خطابًا سياسيًا وطنيًا بقدر ما ترفع لواء الاستنجاد بالقوى الأجنبية. فقد صرّحت في مقابلات عدّة بأن “التهديد الأكبر للغرب يتمثل في نظام مادورو”، مطالبةً بـ”تدخّل قوي من أمريكا” لإسقاطه، بل وصلت إلى حد القول:
“لكي ينجو الغرب، يجب أن يفهم أن الخطر الحقيقي يتحرك في فنزويلا… نظام مادورو هو تهديد وجودي، ويتطلب تدخلًا عسكريًا من الولايات المتحدة لمنعه.”

بهذا التصريح، وضعت ماتشادو نفسها في خانة أولئك الذين يدعون إلى استعمار جديد تحت راية “إنقاذ الديمقراطية”. فهي لا ترى في فنزويلا وطنًا ذا سيادة، بل ساحة نفوذ أمريكية يجب “تحريرها” من الداخل بالقوة الخارجية.

وبينما يطالب الفنزويليون بفك الحصار الاقتصادي ورفع العقوبات الأمريكية التي تخنق معيشتهم، تدعو ماتشادو واشنطن لتشديد قبضتها، في تناقضٍ فجٍّ مع روح الوطنية والسيادة التي يفترض أن تمثلها أي معارضة حقيقية.

نوبل والسلام الأمريكي: تكريم المرضيّ عنهم فقط

منح جائزة نوبل للسلام لمعارضة تدعو للتدخل الأجنبي وتؤيد قادة الإبادة في غزة ليس حدثًا عابرًا، بل استمرار لنهجٍ طويلٍ من التسييس والانحياز. فمنذ عقود، أثبتت لجنة نوبل أنها لا تكافئ مناضلي الحرية الحقيقيين، بل من ينسجم مع مصالح الغرب ويخدم رؤيته للعالم.

جائزة نوبل التي منحت للمنشقين الموالين لأمريكا في أوروبا الشرقية خلال الحرب الباردة، ولرؤساء أشعلوا الحروب في الشرق الأوسط ثم وقّعوا “اتفاقيات سلام”، هي الجائزة ذاتها التي تُمنح اليوم لوجهٍ جديد من وجوه الإمبريالية في أمريكا الجنوبية.

إنها جائزة لا تُكافئ من يقاوم الطغيان فعلاً، بل من يرضخ له بلغةٍ ناعمةٍ ويُعيد إنتاجه في ثوبٍ “ديمقراطي”.

النسخة الفنزويلية من بولسونارو وميلي

ماريا كورينا ماتشادو لا تمثل “معارضة ديمقراطية”، بل امتدادًا مباشرًا لتيار اليمين المتطرف في أمريكا اللاتينية، الذي مثّله كلٌّ من خافيير ميلي في الأرجنتين وجايير بولسونارو في البرازيل. كلاهما قدّم نفسه كـ”منقذ من الفساد”، وفي الوقت نفسه، فتح الباب أمام واشنطن وتل أبيب لتحديد مصير بلاده.

اليمين اللاتيني اليوم ليس حركة استقلالية، بل شبكة سياسية تموّلها واشنطن وتعيد إنتاج خطابها في كل بلد على مقاسه المحلي. لذلك ففوز ماتشادو بنوبل هو مكافأة سياسية لتيارٍ يطالب بإعادة عسكرة القارة وتصفية اليسار فيها.

جائزة بلا أخلاق ولا ضمير

إن جائزة نوبل للسلام، التي تموّلها أرباح الصناعي السويدي ألفريد نوبل – مخترع الديناميت – لم تكن يومًا جائزةً للسلام الحقيقي، بل أداةً رمزيةً لتلميع وجه القوة الناعمة للغرب.

حين تُمنح الجائزة لامرأةٍ تُمجّد نتنياهو وتدعو لتدخلٍ أمريكي في وطنها، فإن السؤال لا يكون عن “استحقاقها” بل عن انهيار المعايير الأخلاقية نفسها التي تزعم اللجنة الدفاع عنها.

سلام من نوع نوبل هو سلام القنابل الذكية، سلام العقوبات الاقتصادية، سلام الأنظمة التي تقتل وتُحاصر ثم تُمنح صكوك الغفران من لجنة في أوسلو.

لقد فقدت جائزة نوبل للسلام معناها منذ زمن، أما اليوم، فهي تتحول إلى وسام شرفٍ لكل من يخون وطنه ويتواطأ مع الإمبراطورية.
وإذا كانت ماريا كورينا ماتشادو تمثل “شجاعة مدنية” في نظر لجنة نوبل، فإن التاريخ سيذكرها كرمزٍ آخر للخيانة الوطنية المغلّفة بالحرير الليبرالي، وكصوتٍ باهتٍ في جوقةٍ تُمجّد الحروب باسم “السلام”.