آخر الأخبار
«لن نتخلى عن الحقوق».. حماس تُعلن موقفًا قريبًا بعد مراجعة خطة ترامب
سرايا القدس تبث مشاهد لقنص جندي صهيوني بمخيم الشاطئ
الجبهة الديمقراطية: دعوات كاتس لتهجير سكان غزة تكذيب صارخ لموافقة نتنياهو على خطة ترامب
«أشد»: أسطول الصمود يواجه الوحشية… وإرادة الحرية أبدية
كتائب القسام تبث مشاهد من الإغارة على تجمع لجنود العدو في تل الهوى
حراس البحر الأحمر يستهدفون”مينيرفاجراخت” في خليج عدن
حماس :عملية الدهس البطولية رسالة شعبنا المقاوم
ننشر آخر صورة للشهيد حسن نصر الله قبل استشهاده
إيران تتوعد بعد فشل المسعى الروسي الصيني في منع عودة العقوبات
أول تعليق من حماس على اعتقالات الاحتلال في نابلس

بقلم: عبد الحليم قنديل

حتى وقت كتابة هذه السطور ..،، لم تكن حركة "حماس" ولا فصائل المقاومة الفلسطينية أعلنت بعد موقفها بصدد ما تسمى  خطة الرئيس الأمريكى "دونالد ترامب" ، وقد لا أرجح أن تعلن "حماس" قبولا تاما ولا رفضا كاملا لنقاط الخطة العشرين ، والأسباب مفهومة ، ليس فقط  بسبب ضغوط رسمية عربية وإسلامية مكثفة ، وإنما بسبب نقاط تبدو إيجابية فى عناوين الخطة نفسها ، من نوع وقف حرب الإبادة للحرث والنسل والبشر والحجر فى "غزة" ، والبدء بنقل مكثف للمساعدات والإغاثات عبر وكالات الأمم المتحدة ، إضافة لوعود ضبابية عامة بمنع تهجير السكان إلى خارج فلسطين ، وإعادة إعمار القطاع مع بقاء أهله فى أراضيه ، والسماح بعودة من خرج مضطرا ، والإقرار الصورى بانسحاب قوات الاحتلال من غالب "غزة" ، ورفض الاحتلال الدائم لقطاع "غزة" لا كليا ولا جزئيا ، وإلى غيرها من وعود إن جرى تنفيذها ، فقد تعنى وقفا موقوتا لوجع وعذاب الفلسطينيين الأسطورى ، وربما التقاط الأنفاس لمواصلة رحلة التحرير الوطنى الفلسطينى الممتدة إلى عشرات السنوات المقبلات ، وكلها عناصر تفهمها حركة "حماس" وأخواتها ، فلا مقاومة تتصل وتنمو ، دون أن تأخذ فى حسابها حساسية الوضع الشعبى  فى لحظة تاريخية حرجة .

وقد تبدو بعض العناوين براقة ، لكن الشياطين تسكن فى التفاصيل ، وقبلها فى عنصر الثقة المفقود بما يطرح عموما ، ولا أحد عاقل يمكنه الثقة فى كلام “ترامب” وشريكه “بنيامين نتنياهو” مجرم الحرب رئيس وزراء العدو ، فالخطة تشترط إفراج “حماس” فورا عن كل “الأسرى” الصهاينة أحياء وأمواتا ، وما من جداول زمنية مقررة لانسحاب الاحتلال من “غزة” ، الذى قيل أنه سيجرى على مراحل متدرجة ، ولا يوجد حتى إقرار مبدئى بانسحاب كامل ناجز من “غزة” ، وبحسب الخريطة المرفقة ، فسوف يحتفظ الاحتلال بوجوده الدائم فى حزام أمنى يطوق “غزة” من الشرق والجنوب ، ولم يترك “نتنياهو” فرصة للمتفائلين حتى بقصة الانسحاب غير الكامل ، وقال بوضوح قاطع ، أن “الجيش الإسرائيلى” سيبقى فى “غزة” ، وأن قوات الاحتلال ستبقى على السيطرة الأمنية الكاملة بوسائل شتى ، بينها التنسيق مع ما تسمى “قوة الاستقرار الدولية” المشار إليها فى الخطة ، وهى مكونة من قوات عربية وإسلامية وغيرها بإشراف أمريكى ميدانى قيادى ، يراقب دورها فى نزع سلاح “حماس” وفصائل المقاومة الفلسطينية ، وتدمير مخازن السلاح والأنفاق وورش تصنيع السلاح ، وترتيب نفى قادة المقاتلين عبر ممرات خروج آمن ، وهو ما يعنى ببساطة إن جرى لا قدر الله ، أن تتورط قوات عربية ـ ودعك من هذه “الإسلامية” ـ فى اشتباكات دامية مع المقاومين الفلسطينيين ، وحرف وجهة القتال الجارى حاليا فى “غزة” ، وتحويله إلى صدام عربى مع الفلسطينيين ، أى أن تقوم قوات عربية بما عجزت عنه قوات الاحتلال عبر سنتين مضيتا من حرب الإبادة ، فوق أن قوات الاحتلال ستحتفظ فى كل الأحوال بحرية المبادرة ، والمسارعة إلى قصف وقتل وتدمير ما تريد فى الوقت الذى تريده ، على طريقة ما يفعله كيان الاحتلال فى الجنوب اللبنانى وفى الجنوب السورى وصولا إلى دمشق وكل النواحى .
والمحصلة بوضوح ، أن لاشئ سيتغير إن جرى تطبيق الخطة الأمريكية “الإسرائيلية” ، اللهم إلا استجرار مشاركة عربية رسمية فى احتلال “غزة” ، حتى لو جرى استقدام آلاف من الشرطة الفلسطينية المدربة فى أقطار عربية مجاورة ، وكأننا بذلك نقنن عمل مجموعات عميلة للاحتلال شبيهة بعصابة “ياسر أبو شباب” وغيرها ، ونجعل من خدمة العدو واجب الوقت الفلسطينى والعربى ، ونضيف حربا أهلية فلسطينية بغطاء عربى ودولى ، وعلى نحو يذهب بالتعاطف مع قضية “غزة” إلى خبر كان ، فلن يعود أحد يعرف من يحارب من فى “غزة” ؟ ، مع إراحة كيان الاحتلال من عبء ووزر الدم الفلسطينى ، خصوصا مع غياب أى سلطة فلسطينية على الأرض طبقا للخطة المسمومة ، فلجنة “التكنوقراط” الفلسطينية المقترحة ليس بيدها قرار حاكم ، وهى تحت إشراف حصرى من قبل ما أسماه “ترامب” مجلسا للسلام ، يترأسه بشخصه ، ويضم أسماء من غير الفلسطينيين باستثناء وجود صورى لأحدهم ، ويديره فعليا “تونى بلير” رئيس الوزراء البريطانى الأسبق سئ السمعة ، الذى عرف بدوره الذيلى فى حرب غزو وتدمير العراق ، وكانوا يطلقون عليه صفة “ذيل الكلب” الخادم لسيده الأمريكى ، وقد استأجرته دولة عربية غنية لأداء أدوار واستشارات مريبة ، تماما كما تصورت دول عربية غنية أنها استأجرت “ترامب” وصهره “جاريد كوشنير” بمئات مليارا ت الدولارات ، وقد أدى الثلاثى المذكور أدوارهم بعناية فى إعداد الخطة المعدة لهدف أبعد من تصفية المقاومة الفلسطينية ، وبإطلالة لصيقة من “نتنياهو” نفسه ، الذى يشارك فى اختيار أسماء مجلس حكام “غزة” المقترح ، وبينها أسماء عربية معروفة بكراهتها الفطرية والمكتسبة للفلسطينيين وقضيتهم .

وفى الإجمال والتفاصيل ، تتعامل الخطة مع “غزة” كأنها أرض بلا شعب ، وتنزع كل معنى فلسطينى عن “غزة” والأراضى الفلسطينية المحتلة كلها ، وتفرض انتدابا أمريكيا هجينا على “غزة” ، ومنها إلى الضفة والقدس المحتلة ، فقد كانت الخطة عند أول طرحها إعلاميا ، تضم واحدا وعشرين نقطة ، ثم جرى حذف نقطة ، روجت لها أطراف عربية و”إسلامية” ، كانت تتحدث عن “خلق مسار” إلى طموح الدولة الفلسطينية المستقلة ، وجرى إلحاق المعنى بعد تحويره إلى معنى آخر ، يتحدث عن استيفاء “السلطة الفلسطينية” لشروط ما يسمونه “الإصلاح” ، ولم يدع “ترامب” الذى لا يغلق فمه فرصة للتخمين ، وتحدث عن أولوية “الإصلاح” بتغيير مناهج التعليم الفلسطينى ، وليس فقط بتوسيع وتعميق “التنسيق الأمنى” مع “إسرائيل” ، أى أن المراد محو ذاكرة الأجيال الجديدة من الفلسطينيين ، وإقناعهم بأن “إسرائيل” هى الأصل المستعاد على أراضى فلسطين كلها من نهر الأردن إلى البحر المتوسط ، وأن يصبح الفلسطينى الجديد فى مستوى جهالة “ترامب” بالقصة الفلسطينية كلها ، وقد قال فى لغو كثير وهو يتحدث عن خطته ، أنه سأل متى بدأت الحرب فى الشرق الأوسط ؟ ، وأن من سألهم أخبروه ، أن الحرب بدأت منذ ثلاثة آلاف سنة (!) ، ولا حاجة بالطبع للسؤال عن هوى الذين سألهم ، فهى السردية الصهيونية التوراتية المكذوبة ، التى تدعى أنهم عادوا لأراضى “يهودا” و”السامرة” ، وإلى حيث كانت مملكة “داوود” و”سليمان” و”الحشمونيين” من بعدهم ، وهى لم تكن سوى ممالك صغيرة فى نطاق شريط أرض ضيق فى القدس وبقربها ، وجدت ثم بادت بعد سنوات عابرات ، بينما كان الوجود العربى الفلسطينى سابقا ولاحقا لآلاف السنين على أرض فلسطين التاريخية كلها ، إضافة لما هو معروف حتى للمبتدئين ، وحقيقة أن يهود العصر الحاضر فى أغلبهم الساحق مقطوعو الصلة بيهود التوراة ، وبممالكهم العابرة فى الزمن العابر الغابر .
وبالجملة ، فإن أخطر ما فى خطة “ترامب” المطروحة ، أنها تعيد سيرة القضية الفلسطينية قرنا كاملا إلى الوراء ، وتفرض على فلسطين انتدابا أجنبيا كامل الأوصاف ، ومن دون سند دولى ولو كان صوريا ، على نحو ما كان عليه الانتداب البريطانى القديم بقرار من “عصبة الأمم” ، وقد كان الانتداب البريطانى مع “وعد بلفور” وما لحقه ، كان الغطاء لعمل الحركة الصهيونية والوكالة اليهودية حتى إقامة هذه “الإسرائيل” فى نكبة 1948 ، ثم احتلال “إسرائيل” لما تبقى من الأرض الفلسطينية فى عدوان 1967 ، والمقصود بالانتداب الجديد ظاهر من عنوانه ، فليس المطلوب فقط اجتثاث “حماس” وأخواتها من فصائل المقاومة ، بل نزع الصفة الفلسطينية عن أراضى فلسطين كلها ، واستثمار الرغبة الإنسانية فى وقف أو تخفيف وطأة مذابح الإبادة ، والانتقال إلى فرض واقع يخلو من أى تمثيل فلسطينى ذى مغزى مؤثر ، اللهم إلا من باب الخدم للسيد الأمريكى “الإسرائيلى” ، فليس من سلطة متاحة فى الخطة لحركة “حماس” ولا لإدارة الرئيس “محمود عباس” ، مع كسب الوقت اللازم لضم وتهويد الضفة الغربية بعد تهويد وضم القدس ، وقد تفاخر “ترامب” بقراره الاعتراف بضم “القدس الموحدة” لكيان الاحتلال ، وقال أن أطرافا عربية و”إسلامية” حاولت التواصل معه وقتها ، وتحذيره من عواقب وخيمة ، وأنه تجاهلهم جميعا ، ودون أن يحدث أى رد فعل فوق كلامى ، وها هو يكررها اليوم ، ولا يورد فى خطته المنشورة حرفا واحدا عن رفض ضم الضفة الغربية ، مع قيامه عمليا بضم “غزة” فعليا إلى الملكية العقارية الأمريكية ، والتمهيد لتهجير “طوعى” “ناعم” للفلسطينيين من “غزة” ، مع الاستعداد لدفع مغريات وتعويضات لازمة من أموال دول عربية غنية ، تقول اليوم أنه لا يوجد حل آخر ، فهم يريدون التخلص من “وجع رأس” القضية الفلسطينية ، وهو ما لن يحدث أبدا ، مهما دبروا وخططوا ودفعوا .
Kandel2002@hotmail.com


مصنف في :