كشفت صحيفة تايمز أوف إسرائيل عن نسخة من “خطة ترامب” لإنهاء الحرب في غزة، وهي وثيقة من 21 بندًا جرى تداولها بين واشنطن وعدد من الدول العربية والإسلامية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. الخطة تتضمن عناصر أساسية من مقترحات سابقة، مثل إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين وإبعاد حركة حماس عن السلطة. لكنها تميزت هذه المرة بنص صريح يشجع الفلسطينيين على البقاء في غزة بدلًا من أي خطط للتهجير أو الترحيل.
الوثيقة التي أعدها المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، وتنوي الإدارة الأميركية إدخال تعديلات عليها قريبًا، تمثل تحولًا ملحوظًا في موقف إدارة الرئيس دونالد ترامب. ففي فبراير الماضي، أثار ترامب صدمة واسعة حين طرح فكرة تولي واشنطن إدارة غزة وإعادة توطين سكانها البالغ عددهم نحو مليوني شخص خارجها. الآن، تعلن الخطة عكس ذلك: تشجيع بقاء السكان والعمل على إعادة إعمار القطاع.
الخطة لا تقتصر على وقف الحرب وإعادة الإعمار، بل تتحدث أيضًا عن إمكانية فتح مسار يؤدي مستقبلًا إلى قيام دولة فلسطينية، بعد إتمام إصلاحات السلطة الفلسطينية وإعادة تطوير غزة. وهو ما يعد تباينًا واضحًا مع السياسات السابقة للإدارة الأميركية التي تجنبت دعم حل الدولتين بشكل علني.
بقاء الفلسطينيين في غزة
تشير الخطة إلى أن إعادة إعمار غزة وتوفير البنية التحتية الأساسية سيكونان مدخلًا إلى استقرار طويل الأمد. وتشدد على أن سكان القطاع لن يُجبروا على المغادرة، بل سيتم تشجيعهم على البقاء وبناء مستقبل أفضل في أرضهم. ويعتبر هذا المبدأ نقيضًا للأصوات داخل الائتلاف الحاكم في إسرائيل، خاصة من الأحزاب اليمينية المتطرفة، التي دعت مرارًا إلى “الهجرة الطوعية” لسكان غزة دون جدوى.
كما تتحدث الوثيقة عن حكومة انتقالية من التكنوقراط الفلسطينيين لتسيير شؤون غزة بإشراف هيئة دولية جديدة تُنشأ بمبادرة أميركية بالتعاون مع شركاء عرب وأوروبيين. هذه الخطوة مؤقتة إلى حين استكمال إصلاحات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، مع بقاء باب عودتها مفتوحًا في مرحلة لاحقة.
الوثيقة تستحضر أيضًا خططًا مشابهة كان قد قدمها سياسيون غربيون في السابق، مثل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، الذي يعمل منذ أشهر مع شخصيات مقربة من الإدارة الأميركية على صياغة أفكار بشأن غزة.
مواقف إسرائيلية متباينة
بينما تقدم الخطة نقاطًا تُعتبر “مكاسب” للفلسطينيين، مثل مسار الدولة المستقبلية والحفاظ على السكان في أرضهم، فإنها في المقابل تحتوي على شروط لطالما أصرت عليها إسرائيل. تشمل هذه الشروط نزع سلاح حركة حماس، وتجريد غزة من أي بنية تحتية عسكرية هجومية بما فيها الأنفاق، فضلًا عن بدء عملية “إزالة التطرف” بين السكان.
تتضمن البنود أيضًا ضمانات أمنية من أطراف إقليمية، ونشر قوة استقرار دولية مؤقتة لتدريب جهاز شرطة فلسطيني يتولى مسؤولية الأمن الداخلي لاحقًا. كما تؤكد الخطة أن إسرائيل لن تضم غزة ولن تبقي قواتها هناك، بل ستنسحب تدريجيًا مع تسلم القوة الدولية زمام السيطرة.
لكن هذه البنود قد تجعل قبول حماس للخطة أمرًا صعبًا، كما أن إدراج مسار نحو الدولة الفلسطينية قد يشكل خطًا أحمر لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي طالما اعتبر نفسه من أفشل خيار حل الدولتين.
تفاصيل بنود الخطة
- تحويل غزة إلى منطقة خالية من “التطرف” لا تشكل تهديدًا لجيرانها.
- إعادة إعمار القطاع لصالح سكانه.
- وقف الحرب فورًا عند قبول الطرفين بالخطة، مع انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية.
- إطلاق جميع المحتجزين خلال 48 ساعة من قبول إسرائيل العلني بالخطة.
- بعد الإفراج عن المحتجزين، تطلق إسرائيل مئات الأسرى الفلسطينيين المحكومين بالمؤبد وأكثر من ألف معتقل من غزة منذ اندلاع الحرب، وتسلم جثامين مئات الفلسطينيين.
- منح عفو لأعضاء حماس الملتزمين بالتعايش السلمي، وتأمين ممر آمن للراغبين في مغادرة القطاع.
- إدخال مساعدات إنسانية بكثافة لا تقل عن 600 شاحنة يوميًا، مع إعادة بناء البنية التحتية.
- توزيع المساعدات بإشراف الأمم المتحدة والهلال الأحمر وجهات دولية أخرى دون تدخل إسرائيلي أو فلسطيني.
- تشكيل حكومة انتقالية من التكنوقراط الفلسطينيين، بإشراف هيئة دولية جديدة، لإدارة شؤون غزة حتى استكمال إصلاحات السلطة الفلسطينية.
- وضع خطة اقتصادية لإعادة إعمار غزة بمشاركة خبراء دوليين.
- إقامة منطقة اقتصادية خاصة برسوم مخفضة لجذب الاستثمارات وخلق فرص عمل.
- ضمان عدم إجبار أي فلسطيني على مغادرة القطاع، وتشجيع السكان على البقاء.
- استبعاد حماس تمامًا من الحكم في غزة، مع التزام القيادة الجديدة بالتعايش السلمي.
- توفير ضمانات أمنية من شركاء إقليميين.
- نشر قوة استقرار دولية مؤقتة لتدريب شرطة فلسطينية محلية.
- عدم ضم غزة أو احتلالها، مع انسحاب إسرائيلي تدريجي.
- تنفيذ بعض البنود في مناطق “خالصة من التهديد” حتى لو رفضت حماس الاتفاق.
- التزام إسرائيل بعدم شن هجمات على قطر، والاعتراف بدورها الوسيط.
- إطلاق عملية “إزالة التطرف” عبر حوار ديني متعدد الأطراف لتغيير السرديات.
- عند تقدم إعادة إعمار غزة وإصلاح السلطة، يُفتح مسار نحو الدولة الفلسطينية كطموح مشروع للشعب.
- إطلاق حوار سياسي بين إسرائيل والفلسطينيين لتحديد أفق التعايش السلمي.
الخطة الأميركية، رغم احتوائها على نقاط قد تلقى ترحيبًا فلسطينيًا مبدئيًا، تبقى غامضة في تفاصيلها وتحتاج إلى مفاوضات شاقة لإقرارها. كما أن بنودها الأمنية والسياسية تجعل قبولها من حماس أو حتى من حكومة نتنياهو أمرًا معقدًا. لكن إدارة ترامب تراهن على أن إشراك جميع الأطراف الإقليمية والدولية قد يفتح الباب إلى تسوية سياسية مؤقتة على الأقل، وربما إلى مسار دولة فلسطينية في المستقبل البعيد.