آخر الأخبار
النشرة المسائية لوسائل الإعلام العبري لنهار  الأحد الموافق  26 اكتوبر 2025          
الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم: انا استشهادي!وسنقاتل الإسرائيلي بحال فرضت المعركة
جيش العدو يعلن عن إصابة عدد من جنوده حادث..أم اشتباك أمني؟
شهداء ال 48 ساعة
اطلالة مساء اليوم للشيخ نعيم قاسم أمين عام حزب الله..”عام من القيادة
الاستهداف الصهيوني الرابع خلال 48 ساعة!الآن الناقورة
الديمقراطية» تدين الإختراق الإسرائيلي لاتفاق وقف الحرب
عدوان صهيوني جديد مسيرة تستهدف دراجة ناريةبلدة القليلة
رئيس حركة حماس خليل الحية:لا ذريعة للعدو ليستأنف حربه
النشرة المسائية لوسائل الإعلام العبري لنهار السبت الموافق 25  اكتوبر 2025          

 
  قبل وصوله الأول إلى البيت الأبيض فى انتخابات 2016 كان  “دونالد ترامب” مغرما ببرامج تليفزيون الواقع ، وكانت له صولات وجولات فيها كثير منها فاضح وإباحى إلى أبعد حد ، ورغم وصوله لمرتين إلى رئاسة دولة عظمى فلم ينس “ترامب” شغفه القديم بتليفزيون الواقع ، وربما نهمه لمنافسة “كيم كارداشيان” أشهر نجوم برامج تليفزيون الواقع الأمريكية ، لكن سلطته العالمية هذه المرة ، منحته على ما يبدو فرصا لتجريب تليفزيونى جديد ، مضمونه أن يحول الواقع لصورة تليفزيونية صاخبة ، فالرجل لا يغلق فمه أبدا ، ويقول الشئ وعكسه فى ذات الجملة ، ولا يتذكر كذبته السابقة حتى يشرع فى كذبة أكبر ، ويتباهى بشعره البرتقالى الذى يعتبره كتاج امبراطورى ، يزين غزواته “السلامية” الكبرى ، وفى رحلته الأخيرة إلى كيان الاحتلال ثم “مؤتمر شرم الشيخ” ، أعلن أنه حقق “السلام الأبدى” فى ساعات ، وأنهى صراعات عمرها آلاف السنين كما يتقول ، وعلق غاضبا على غلاف مجلة “تايم” الأمريكية بعد عودته إلى المكتب البيضاوى ، فقد وضعت “تايم” على غلافها صورة للرئيس الأمريكى التقطت له من أسفل ، بدا فيها “ترامب” متطاولا برقبته المليئة بالتجاعيد و”اللغاليغ” ، وعلى خلفية مضيئة بأشعة الشمس ، وعلقت المجلة بكلمة واحدة بدت مستخفة ترجمتها “انتصاره” ، وكان أكثر ما أثار حفيظة “ترامب” ما ذكره فى تعقيب فورى نشره على منصته الاجتماعية الخاصة “تروث سوشيال” ، وشكواه من أنهم “أخفوا شعرى” بدفع الرأس إلى الوراء ، وجعلوا تاج الضوء “باهتا عائما” ، بينما كانت رحلته إلى الشرق الأوسط واحدة من أقوى استعراضاته التليفزيونية ، فلم يترك أحدا دون أن يمتدحه أو يهينه مازحا ، ومقابل أن يتهافت عليه أغلب الرؤساء والقادة من أوروبا والعالمين العربى والإسلامى ، ويتسابقون لالتقاط الصور مع “الامبراطور الأعظم”  بقامته المديدة وشعره البرتقالى المرجل على صورة تاج ، وكلماته الفارغة من أى معنى مقبول أو معقول .
   بدا “ترامب” خلال جولته الشرق أوسطية الأخيرة ، وكأنه يريد أن يختصر الدنيا فى شهقة ، وينهى أعقد صراعات المنطقة الملتهبة بلمسة يد سحرية ، وضعت توقيعه “السامى” على اتفاق تنفيذ المرحلة الأولى مما صار يعرف باسم “خطة ترامب” ، واعتبر توقيعه “الامبراطورى” بمثابة “بوليصة تأمين” لكل الأطراف ، ودونما دراية يعتد بها بأبسط مقتضيات وأبجديات السياسة والتاريخ ، وبدا أنه يحب الجميع الذين يحبونه ، وعاد لترديد عبارته العبثية عن إيقافه الفورى لسبع حروب ، صارت ثمانية ـ فى رأيه ـ مع وقف حرب الإبادة الجماعية فى “غزة” إلى حين ، ولم يذكر ـ طبعا ـ تهديداته الشهيرة بوضع “غزة” فى قاع الجحيم ، ولا ذكر تفاخره بمنح صنوه المجرم “بنيامين نتنياهو” الفرصة تلو الفرصة لإنهاء ما أسماه “المهمة” فى “غزة” ، ولا ذكر جسور الإمداد الجوى والبحرى بالأسلحة الأمريكية الأكثر تطورا لجيش الاحتلال ، ولا مشاركة أمريكا الفعلية فى حرب الإبادة المتصلة لأكثر من عامين ، سواء فى عهده ، أو فى عهد سلفه الذى يحتقره “جو بايدن” ، وكلاهما شارك فى حماية البقرة المقدسة ، عبر نشر الجيوش والأساطيل والمدمرات وحاملات الطائرات ، والانطلاق الأمريكى عسكريا من ستين قاعدة ونقطة ارتكاز فى “إسرائيل” والمشرق والخليج العربيين ، والاشتراك المباشر بالنار فى القتال الميدانى ضد “الحوثيين” و”إيران” ، ومن دون أن يحقق الاندماج العسكرى الأمريكى “الإسرائيلى” نتائج حاسمة نهائية ، لا فى “غزة” ولا فى غيرها من الساحات المساندة ، وإزاء وعورة تضاريس الواقع الصلد الذى صادف جيوشه ، فكر “ترامب” أن يغطى على الإخفاق بصور تليفزيونية ، تدعى النصر الباهر وفرض السلام بالقوة ، واختلق لنفسه واقعا موازيا يزدحم بالصور المصنوعة والمبالغات الممجوجة .
   ولم يمانع “ترامب” حتى فى دعوة إيران ورئيسها إلى مؤتمر “شرم الشيخ”  الذى عقد برئاسته المشتركة مع الرئيس المصرى “عبد الفتاح السيسى” ، ورفضت  “إيران” الدعوة للقاء سلام مزعوم مع القاتل ، وكان “ترامب” الذاهب بعيدا فى خيالاته وواقعه الموازى المنقول تليفزيونيا ، قد تصور أنه يمكن جلب إيران نفسها إلى مائدة أوهامه واتفاقاته “الإبراهيمية” مع فتوحات عظيمة أخرى تصورها ، تجلب عددا لا بأس به من الدول المشرقية والخليجية والإسلامية إلى اتفاقات العار ذاتها ، والقفز فوق القضية الفلسطينية إلى سلام يصنعه على ذوقه وعلى مقاس شريكه الأصغر “نتنياهو” ، ولا تبدو المهمة ميسورة ، ولا فى المتناول القريب ، رغم تباهى “ترامب” بالقدرات “الفذة” لصهره “جاريد كوشنير” ومبعوثه “ستيف ويتكوف” ووزير خارجيته “ماركو روبيو” ، ومقارنة أدوارهم بدور “هنرى كيسنجر” وزير الخارجية الأمريكى الأشهر بإطلاق ، بينما لا شئ يجمعهم مع “كيسنجر” سوى الولاء الصهيونى ورابطة الانتساب اليهودى غالبا ، ومن العبث العقلى طبعا ، أن يتصور أحد مقاربة أو مشابهة بين “روبيو” و”كيسنجر” ، لكن “ترامب” لا يأبه بموازين العقل ولا بانضباط الألفاظ ، ولا بأس عنده بتوزيع الألقاب على معاونيه الأقربين الذين لا يجيدون شيئا سوى طاعته وتنفيذ أوامره المتقلبة ولا يخلو مديح “ترامب” لوزير خارجيته الباهت من غمز ولمز وسخرية مخفية ، فقد كان “روبيو” ـ  فيما مضى  ـ من منافسى “ترامب” على نيل ترشيح الحزب الجمهورى لرئاسة البيت الأبيض .  وفى محطة “ترامب” على منصت الكنيست “الإسرائيلى” كان “ترامب” فى ذروة سعادته وصدقه العفوى فقد ترك جهاز القراءة الآلية لخطابه الرسمى جانبا ، واندمج فى غمرة احتفال تلقائى بشخصه ، وارتجل مشاعره الحماسية المتدفقة، وقوطعت كلماته بالتصفيق 42 مرة ، وكال المديح لصديقه المحاصر “نتنياهو” ولم ينس أن يصدر توجيهاته للآخرين ، وطلب من زعيم المعارضة “يائير لابيد” أن يكون أكثر لطفا مع “نتنياهو” ، وأمر الرئيس “إسحاق هيرتزوج” بإصدار عفو شامل يلغى محاكمات “البطل نتنياهو” فى قضايا فساد وخيانة أمانة منظورة ، ووزع “ترامب” أوصاف “الرائع” و”الجميل” و”العبقرى” و”المدهش” على الجالسين فى الصفوف الأولى من أمريكيين و”إسرائيليين” وكأنه يستضيفهم فى بيته الخاص ، لا فى “برلمان” يفترض صوريا أنه تابع لدولة أخرى ، وبما كشف عن حقيقة “الاندماج الاستراتيجى” والامتزاج اللامتناهى الصور ، وأن الرئيس الأمريكى هو الحاكم الأصلى المطاع لهذه “الإسرائيل” ، ليس فقط فى قرارات الحرب والسلم بل فى أدق التفاصيل ، وبلغ تعبير “ترامب” عن الامتزاج ذروته  مع دعوته المليارديرة الأمريكية اليهودية “ميريام أديلسون” للوقوف تحية لشخصها ، واهتم بذكر حيازة”ميريام” لثروة قدرها 60 مليار دولار ، وأنها زارته مع زوجها مرات فى البيت الأبيض ، وأنه سألها ذات مرة عن البلد الأحب إلى قلبها ، وهل هى “أمريكا” أم “إسرائيل” ؟ ، وأن “ميريام” ذات الجنسية المزدوجة الأمريكية “الإسرائيلية” امتنعت عن جواب السؤال ثم أومأ “ترامب” برأسه موافقا ، فهو الآخر يحب ويخدم “إسرائيل” كما أمريكا وأكثر ، ويهمه أن يرمم صورة “نتنياهو” بقدر ما يهمه أن يحصل على دعم “اللوبيات” اليهودية لمرشحى حزبه فى انتخابات تجديد الكونجرس نهايات العام المقبل ، وكانت “ميريام” تبرعت لحملة “ترامب” الانتخابية بأكثر من مئة مليون دولار .
  وبعيدا عن ألعاب ترامب البهلوانية وشطحاته المغلفة بالزينة التليفزيونية ، تبقى حقائق الواقع الفعلى أكثر صلابة فكل ما حدث إلى اللحظة ، هو مجرد اتفاق هدنة ووقف لحرب الإبادة فى “غزة” إلى حين ، ونأمل كغيرنا ، أن تكون المقتلة الأمريكية “الإسرائيلية” انتهت ، وأن تنعم “غزة” المدمرة وأهلها بأمان تلتقط فيه أنفاسها ، وإن كان مهددا بألغام طريق قد تنفجر فى أى وقت ، فلا أحد عاقل يثق بتعهدات “إسرائيل”، حتى لو ضمنها “ترامب” كما جرى ، وقد لا نتوقع بالضرورة أن تعود حرب الإبادة كما كانت ، وإن كان واردا جدا ، أن يتكرر العدوان الأمريكى “الإسرائيلى” بصورة أقل حدة ، مع عدم وجود جداول زمنية لاستكمال مراحل الانسحاب “الإسرائيلى” من “غزة” ، ولن يحتاج جيش الاحتلال إلى ذرائع ، تماما كما جرى ويجرى فى الجنوب اللبنانى يوميا بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار قبل نحو سنة ، تكررت فيها اختراقات العدو لأكثر من 5 آلاف مرة ، وهو ما بدأنا نراه فى “غزة” ، وقد تزيد وتيرته الدموية فى قابل الأيام والأسابيع ، خصوصا مع العبور إلى المراحل التالية من “خطة” “ترامب” ، ومناقشة شروط نزع سلاح “حماس” وأخواتها ، واستحالة تنفيذ هذه الشروط عمليا  ، فوق أن “خطة ترامب” لا تطرح أفقا مقبولا فى الحد الأدنى ، ولا فرصة لقيام كيان فلسطينى مستقل بأى صورة ، ولا إقامة لسلطة فلسطينية جامعة يؤول إليها سلاح “حماس” وأخواتها ، بل المطلوب بوضوح هو نزع “فلسطينية” غزة ، وفرض انتداب أجنبى كامل الأوصاف على الحلم الفلسطينى ، وتلك وصفة حرب تتجدد جولاتها ، وليست طريقا مؤديا” إلى “سلام أبدى” ، يوهمنا به “ترامب” فى ملاهى واقعه التليفزيونى العجيب .
Kandel2002@hotmail.com


مصنف في :