مكتب غزة – قلمي بندقيتي
في واحدة من أبشع الجرائم التي تكشف الوجه الحقيقي للاحتلال الإسرائيلي، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة عن استلام 120 جثمانًا لشهداء فلسطينيين احتجزهم الاحتلال خلال حرب الإبادة المستمرة ضد قطاع غزة، كاشفًا عن دلائل قاطعة على تنفيذ إعدامات ميدانية وتعذيب وحشي طالت المعتقلين والأسرى، في انتهاك صارخ لكل القوانين والأعراف الدولية.
وقال المكتب في بيان رسمي صدر الخميس إن استلام الجثامين جرى على ثلاث دفعات متتالية، شملت 45 جثمانًا يوم الثلاثاء، و45 آخرين يوم الأربعاء، و30 جثمانًا إضافيًا اليوم، مشيرًا إلى أن عشرات الجثامين لا تزال مجهولة الهوية بسبب التشوه الكبير الذي لحق بها نتيجة التعذيب والتمثيل.
أدلة دامغة على الإعدامات والتعذيب
أظهرت نتائج الفحوصات الطبية والمعاينات الميدانية، وفق البيان، أن الاحتلال نفّذ عمليات قتل وإعدام ميداني متعمّد بحق عشرات الشهداء، معظمهم من الأسرى والمعتقلين الذين جرى اعتقالهم أحياء خلال الاجتياحات البرية.
وأوضح التقرير الرسمي أن العديد من الجثامين تحمل آثار شنق واضحة على الأعناق، إلى جانب طلقات نارية أُطلقت من مسافة قريبة جدًا، ما يبرهن على أن القتل جرى خارج نطاق المواجهة العسكرية، بعد التقييد والتعذيب.
كما أظهرت المعاينات الميدانية أن أيدي وأقدام العديد من الضحايا كانت مربوطة بمرابط بلاستيكية، فيما بدت العيون معصوبة في مشاهد توثق آخر لحظات الأسر قبل الإعدام. وبيّن التقرير أن بعض الجثامين سُحقت تحت جنازير الدبابات الإسرائيلية، ما يعكس سياسة وحشية متعمدة لتدمير الجسد الفلسطيني بعد موته.
وأضاف البيان أن عدداً من الجثامين أظهرت كسورًا متفرقة وحروقًا وجروحًا غائرة ناتجة عن الضرب والصعق والحرق، وهو ما يؤكد ممارسة الاحتلال لعمليات تعذيب ممنهج داخل مواقع الاحتجاز الميداني وخلال التحقيق العسكري.
الاحتلال فوق القانون
هذه الجرائم، كما جاء في البيان، تمثل انتهاكًا صارخًا لاتفاقيات جنيف الرابعة التي تنص على حماية المدنيين والأسرى في أوقات الحرب، وتفضح مجددًا سياسة القتل خارج نطاق القانون التي تنتهجها إسرائيل ضد الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر 2023، بدعم أمريكي مباشر وتواطؤ دولي فاضح.
وأشار المكتب الإعلامي إلى أن ما تم كشفه اليوم ليس حادثًا فرديًا، بل نمطٌ متكرر من الإعدامات الميدانية والتصفيات الجسدية التي ينفذها جنود الاحتلال بحق المدنيين، ثم يحتجزون جثامينهم في محاولة لإخفاء الأدلة على الجريمة.
وشدد البيان على أن الاحتلال مارس أساليب الإخفاء القسري بحق المئات من الفلسطينيين خلال الحرب، ومنع الصليب الأحمر والمنظمات الحقوقية من الوصول إلى أماكن الاحتجاز، ما سمح له بارتكاب جرائم قتل وتعذيب بعيدًا عن أعين الرقابة الدولية.
دعوة إلى تحقيق دولي عاجل
وطالب المكتب الإعلامي في ختام بيانه بتشكيل لجنة دولية مستقلة وعاجلة للتحقيق في الجرائم التي تم الكشف عنها، داعيًا الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان إلى تحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية تجاه ما وصفه بـ“الإبادة البطيئة للأسرى الفلسطينيين”.
كما شدد على ضرورة محاسبة قادة الاحتلال وجنوده أمام المحاكم الدولية على ما ارتكبوه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مؤكدًا أن العدالة الحقيقية لا يمكن أن تتحقق إلا بوقف العدوان ورفع الحصار وملاحقة مجرمي الحرب.
جريمة تكشف منهجًا لا حادثة
وتأتي هذه الشهادات الميدانية لتضيف فصلًا جديدًا من فصول الإبادة الجماعية التي يواصل الاحتلال تنفيذها بحق الفلسطينيين، سواء في الميدان أو في السجون. فالجثامين التي أعيدت إلى غزة لا تحمل فقط آثار التعذيب، بل تحمل دلالات على سياسة رسمية تستهدف كسر روح المقاومة عبر قتل الأسرى وتشويه أجسادهم.
وبينما يواصل الاحتلال التنكر لمسؤوليته عن جرائمه، تؤكد هذه الأدلة أن الفلسطيني لا يُقتل مرة واحدة، بل مرات: في جسده، وفي ذاكرته، وفي حقه بالعدالة. ومع ذلك، يظل الصمود الفلسطيني شاهدًا على أن الإرادة أقوى من الجنازير، والكرامة أبقى من الموت.