نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مقالًا بعنوان “الملاحقة القضائية القادمة لدونالد ترامب”، كتبه يوجين كونتوروفيتش، أستاذ القانون في جامعة جورج ميسون الأمريكية، تناول فيه احتمال أن يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ملاحقات قضائية جديدة، ولكن هذه المرة خارج حدود الولايات المتحدة.
يذكّر الكاتب بأن ترامب كان هدفًا لسلسلة من الملاحقات القضائية المعقدة قبل أن يبدأ ولايته الثانية، شملت محاكم فيدرالية ومحاكم في ولايات مختلفة، إلى جانب مساءلات داخل مجلس الشيوخ. غير أن المشهد – بحسب كونتوروفيتش – قد يتّخذ مسارًا غير مسبوق بعد نهاية رئاسته الحالية، إذ يُرجّح أن تنتقل ساحة المواجهة إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
مدخل المحكمة الدولية
يشير أستاذ القانون إلى أن أمريكا ليست من الدول الموقّعة على نظام روما الأساسي، وبالتالي فهي لا تخضع من الناحية القانونية لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية. ومع ذلك، يرى الكاتب أن المحكمة يمكن أن تجد منفذًا قانونيًا لمحاكمة مسؤولين أمريكيين من خلال أفعال ترتكبها الإدارة الأمريكية ضد دول موقّعة على النظام الأساسي.
ويضرب مثالًا على ذلك بالضربات الأمريكية التي استهدفت قوارب فنزويلية وُصفت بأنها قوارب تهريب. ووفقًا للمقال، فقد أثارت تلك العمليات دعوات من ناشطين ومنظمات حقوقية تطالب المحكمة الدولية بالتدخل.
دعوة من هيومن رايتس ووتش
يستشهد كونتوروفيتش بما كتبه كينيث روث، الرئيس السابق لمنظمة هيومن رايتس ووتش، حين دعا المحكمة الجنائية الدولية إلى التحقيق بعد أن دمّرت البحرية الأمريكية أول قارب فنزويلي. ونقل الكاتب عن روث قوله عبر منصة إكس (تويتر سابقًا): “ترامب فعل بالضبط ما فعله الرئيس الفلبيني السابق رودريغو دوتيرتي، واستحقّ بسببه توجيه اتهام من المحكمة الجنائية الدولية.”
وبحسب الكاتب، فإن عضوية فنزويلا في المحكمة تمنح الأخيرة اختصاصًا قضائيًا يسمح لها – من الناحية القانونية – بالنظر في أي جرائم يُزعم أن مسؤولين أمريكيين ارتكبوها ضدها.
سوابق إسرائيلية
يضيف كونتوروفيتش أن المحكمة الجنائية الدولية تمتلك سوابق مشابهة، إذ فتحت في وقت سابق تحقيقات ضد إسرائيل رغم أن تل أبيب لم توقّع على نظام روما الأساسي، وذلك بعد حادثة مهاجمة قواتها سفينة كانت ترفع علم دولة عضو في المحكمة.
ومن هذا المنطلق، يرى الكاتب أن المحكمة قد تستند إلى تلك السوابق لتبرير أي تحرّك مستقبلي ضد الولايات المتحدة، بما في ذلك محاكمة ترامب نفسه ومسؤولين آخرين تورّطوا في قرارات عسكرية تمسّ دولًا أعضاء.
مواجهة مفتوحة
في المقابل، يشير المقال إلى أن الرئيس ترامب لا يقف موقف المتفرّج، بل يتّبع نهجًا تصعيديًا في تعامله مع المحكمة الجنائية الدولية. فقد أعاد تفعيل أمر تنفيذي أصدره خلال ولايته الأولى يقضي بفرض عقوبات على المحكمة وعلى عدد من قضاتها ومسؤوليها، في محاولة لردعها عن أي خطوات قد تستهدف مسؤولين أمريكيين.
ومع ذلك، يقول الكاتب إن كل تلك الإجراءات لم تردع المحكمة ولم تغيّر اتجاهها، لأنها – وفقًا لتعبيره – لا ترى في هذه العقوبات تهديدًا وجوديًا. ويضيف أن المحكمة قد تكتفي بانتظار انتهاء فترة رئاسة ترامب الثانية والأخيرة، إلى أن يأتي رئيس ديمقراطي جديد يرفع عنها العقوبات كما فعل جو بايدن سابقًا.
“نَفَس طويل” في لاهاي
يختم كونتوروفيتش مقاله بالتأكيد على أن المحكمة الجنائية الدولية تعتمد سياسة النفس الطويل وبُعد النظر، فالقضاة وأعضاء الادعاء يتمتّعون بولايات تصل إلى تسع سنوات، وبعض مسؤوليها منخرطون فيما يصفه الكاتب بـ “الدولة العالمية العميقة”، ما يعني أنهم باقون في مواقعهم لفترات غير محددة.
ويخلص الكاتب إلى أن تلك البُنية المؤسسية تمنح المحكمة قدرة على الانتظار والتخطيط بعيد المدى، ما يجعل فكرة ملاحقة ترامب بعد خروجه من البيت الأبيض احتمالًا واردًا، وربما أول مواجهة مباشرة بين لاهاي وواشنطن في التاريخ الحديث.



